الصفحة الرئيسية  ثقافة

ثقافة مهرجان كان السينمائي يسجل تراجعا جماهيريا والمسألة الاجتماعية في صدارة مواضيع الأفلام

نشر في  18 ماي 2016  (11:37)

من مراسلنا الناقد السينمائي الطاهر الشيخاوي

يصعب تقييم الدورة 69 من مهرجان كان بعد مرور أسبوع عن انطلاقه، وإن كان بالإمكان الإدلاء بملاحظات عامة فالعروض لا تزال متواصلة أسبوعا كاملا ثمّ لم نطلع بعدُ على أعمال عدد لا يستهان به من كبار المخرجين أمثال بيدرو ألمودوفار والأخوان دردان وبريانتي ماندوزا وكريستيان مونجو.
ومهما يكن من أمر فإن التقييم كما يعلم الجميع مسألة جدُّ نسبية لكن هذا لا يمنعنا من أن نسوق بعض الملاحظات التي قد ندعّمها أو نعيد النظر فيها بعد نهاية المهرجان.
من الواضح أن فتورا كبيرا يُخيم على المهرجان وذلك بشهادة أكثر المترددين إليه فلم نر سابقا تراجعا مماثلا في المشاركة. وقد قال لنا بعضهم إنّ بيوتا باتت شاغرة في نزل الكارلتون، وهو أمر لم يحصل منذ سنين. ثمّة بالتأكيد حالة من الخوف تسود فرنسا منذ العمليات الإرهابية التي عرفتها باريس. وما طولُ الطوابير التي تظهر أحيانا إلا نتيجة لتكثيف المراقبة والتثتب عند دخول القاعات. ثم لا بد من الإقرار بصعوبة الظرف الإجتماعي والإقتصادي وما تشهده البلاد من غليان ومظاهرات واضرابات ماانفكت تتزايد.
والطريف أن البرمجة جاءت مرجعة لصدى السياق إذ عديدة هي الأعمال التي تعرضت للمسألة الإجتماعية. لم يتخلّ طبعا المهرجان عن طابعه الإحتفالي ولا عن بريقه اللامع ونجومه ونجماته الفاتنات، ولا يمكن أن نتصور أنه يتخلّى عن ذلك أصلا ولكن جلّ الأفلام التي تمكنا من رؤيتها تحكي بطريقة أو بأخرى عمّا تعيشه عديد المجتمعات من أزمات مرتبطة أساسا بالنظام الإقتصادي المتزعزع.

 إن وجود المخرج البريطاني كان لوتش في المسابقة الرسمية لا يعني فقط أنه من الأصدقاء المقربين للمهرجان والأمرُ متأكد، فهو يحمل أيضا دلالة أخرى. وتكفي الإشارة إلى الحفاوة التي تقبل بها الجمهور شريطه « أنا دانيال بلاك » الذي تناول مباشرة وبدون مراوغة وقاحة مؤسسات الدولة حتى الإجتماعية منها زمن الرأسمالية العالمية، كما نعتقد أن في اختيار شريط « أمريكان هوناي » ضمن المسابقة الرسمية أكثر من معنى.
 لما تنقلت أندريا أرنولد مخرجة الفيلم إلى أمريكا قادمة من بريطانيا، لم تتخلّ عن هواجسها الإجتماعية بل دخلت السينما الأمريكية لا من بابها الفرجوي التجاري ولكن من الهامش بل من هامش الهامش كما سبق أن أشرنا في سابق مقالنا.
 والأهم من ذلك كله أن الفيلمين الأمريكيين المبرمجين في المسابقة الرسمية « باترسن » لجيم جارموش و« لافينغ » لجيف نيكولزي يتناولان وان كان كلّ على طريقته مواضيع اجتماعية خطيرة. فـ« لافينغ» ينبش في عمق المسألة العنصرية من خلال قصة جميلة لعاشقين من وسط شعبي، هو أبيض وهي سوداء، في ولاية فرجينيا في الستينات وما تعرضا له من ضيم.

 أما جيم جارموش الذي يتطلب لوحده مقالا مطولا فقد اختار هو أيضا زوجين في الثلاثين من العمر، الرجل سائق اوتوبيس وامرأته لا شغل لها سوى عنايتها بحبيبها ومنزلها، يلتجئان إلى الحلم للتحرر من قتامة الحياة وقسوتها.
وميزة الفيلمين تكمن في تجنبهما ضجيج الأفلام التجارية واختيار أسلوب دافئ رقيق في غاية من الرقة خاصة بالنسبة لجيم جارموش. وكذلك بالنسبة للفيلم الألماني « توني اديرمان » الذي بُني كلُّـه على تقويض قيود المهن الجديدة وما تسبب فيه من تدمير خبيث للقيم الإنسانية الأساسية. هذا في ما يخص الأفلام الغربية أما بالنسبة للأفلام القادمة من آسيا ومن افريقيا ومن العالم العربي فالقضيةُ محسومة وسوف نرجع لها بإطناب في مقالاتنا القادمة.